مع الأخصائي النفسي بديع القشاعلةألا بذكر الله تطمئن القلوب

 

النظرية المحمدية وعلم السلوك 2

بقلم الاخصائي النفسي بديع القشاعلة

 في كثير من الأبحاث التي قام بها بياجية استطاع ان يربط بين النمو المعرفي لدى الطفل وبين النمو الزمني . فهو يستمر في شرحه لنظريته  إلى  ان يصل  إلى  المرحلة الثانية بعد المرحلة التي يطلق عليها اسم " الحس-حركية ".

 والتي تبدأ في نهاية السنة الثانية ويطلق عليها اسم المرحلة العقلية قبل الإجرائية. ففي بداية هذه المرحلة نجد ان الأطفال يبدؤون استخدام اللغة وتنميتها كما ينمون استخدام الإشارات والرموز . ومن المعروف ان اللغة هي دليل على النمو العقلي لدى الأطفال , فبواسطتها يحل مشاكل أكثر تعقيدا وتركيبا .

وفي هذه المرحلة يبدأ عندهم مبدأ ثبات الأشياء وبقائها دون ان  يروها إمامهم.

في هذه المرحلة بحث بياجية العمليات العقلية لدى الأطفال , فوضع بعض المهام العقلية وعرضها عليهم , ورأى كيف يمكنهم التوصل  إلى  الحل .

 مثال على ذلك :

عرض على طفل كأسين كبيرين واسعين من الماء, مملوءين بارتفاع متساوي, وكأس ثالثة طويلة وفارغة.

ثم بعد ان عرضها على الطفل ,سأله كيف يرى الماء في الكأسين الأولين , فقال الطفل ان الماء متساوي , ولكنه بعد ان سكب احد الكأسين في الكأس الطويلة الفارغة على مرأى من الطفل وسأله أين توجد كمية الماء أكثر فأشار الطفل  إلى  الكأس الطويلة .

 هنا ومن هذا المثال يشير بياجية  إلى  ان  الطفل فقد الحكم بالثبات والبقاء من الناحية الكمية , أما الطفل الذي يفهم ان اختلاف الحجم قد لا يؤثر على الكم فقد وصل  إلى  درجة من التفكير الذي يتغلب فيه على الإدراك . ان إدراك الطفل في هذه المرحلة للأشياء يميل  إلى  ان  يكون مقيدا بالسمات السائدة أو الخصائص الغالبة على شكل المثير , ومع ازدياد العمر للوليد البشري ونضج القدرات الإدراكية نرى ان إدراكه يتحرر من اعتماده المبكر على الخصائص المهيمنة والسائدة , بالتالي نجده يستطيع التعامل مع الشكل وينظمه بصورة كلية عامة, وهذا تفسير يمكن ان يلاحظ في الطريقة التي يؤدي بها الطفل عدد من المهام الإدراكية المختلفة . وعلى العموم فان معظم الأطفال ما قبل السادسة أو السابعة لا يفطنون  إلى  مبدأ الثبات وبقاء الأشياء. من هذا المنطلق يقول بياجية ان الطفل ما قبل المدرسة تنقصه الإمكانية والقدرة على التفكير بشكل منطقي .

 ومن الجدير بالذكر ان تجارب بياجية واختباراته جربت في كثير من دول العالم , وكانت النتيجة مطابقة بشكل مذهل . ومن الاستنتاجات التي استنتجها جان بياجية , هي التفكير المتمركز حول الذات , فالطفل الذي لم يصل  إلى  السابعة من عمره تسيطر عليه صفة التمركز حول الذات في التفكير والكلام والسلوك . فقد لاحظ ان الأطفال عادة ما يتكلمون مع أنفسهم أكثر مما يفعلونه مع بعضهم البعض. وكلامهم عادة ما يكون مرتبطا بالفعل ولا يكون بمثابة مجهودا يبذله الطفل لهدف الاتصال.

 نأتي بمثال على هذا, طفلين في الثالثة من عمرهما يلعبان سويا وقد دار بينهما حديث:

- احمد: اشترت لي أمي هذا الحذاء الجديد.

- علي: هذه اللعبة الخربة! لماذا لا تعمل ؟؟

أطلق بياجية على هذا النوع من الحديث بالكلام المتمركز حول الذات , وذلك نتيجة التفكير المتمركز حول الذات أيضا الذي تتصف به هذه المرحلة الزمنية.

 يمكن القول ان  الأطفال حينما يتواجدون مع بعضهم البعض فان كل طفل يكون كلامه عادة موجه أكثر لنفسه. لذلك نجد ان الطفل حينما يتكلم يستخدم الصيغ التالية: انا اعمل, انا ارسم, انا أكل, انا العب...

ويشير بياجية  إلى  ان  الطفل الصغير المتمركز حول ذاته لا يمكنه ان يأخذ وجهة نظر الشخص الآخر عندما يختلف معه , ان  تفكير الطفل الصغير له نظامه الخاص به , فنحن لا نستطيع ان نفهم الطفل بشكل كلي وذلك لعدم قدرتنا على الارتداد  إلى  نماذج فكرية ذاتية . وهي تلك النماذج التي تميز تفكير الصغار.

لذلك قد يساء فهمنا لسلوك الصغار وذلك لاختلاف نظرة الأطفال للعالم المحيط مما هي لدى الراشدين . قد يتأثر الطفل الصغير ويصدم حينما  لا يستطيع ان  يشارك دميته في ردود فعلها . وذلك لاعتقاده ان دميته جزء من نفسه. ومن المميزات التي تميز تفكير الطفل في هذه المرحلة , هي صفة الإحيائية أو الارواحية وهي نسب الحياة لأشياء الغير حية. أو يعتقد بان لكل شيء في الطبيعة روحا أو نفسا, كان يظن ان دميته تشعر بالألم والبرد كما يشعر هو بذلك . أي ان   الأشياء تشعر وتجد ما يشعر به هو , فقد نسمع حديث طفلين :

- احمد: لماذا أنت ممسك بساقك ؟

- علي : لأنني عندي ألم في إصبعي !

- احمد : هل تؤلمك كثيرا ؟

- علي : نعم أنها تؤلمني , ألا تشعر بها ؟!

ونتيجة ان الأطفال الصغار ليس لديهم مبدأ الثبات ان كانت الكمية أو العدد فإننا نجدهم يعتقدون ان  الحياة والموت شيء واحد , فطفل الثالثة والرابعة لا يفهم الموت ولا يعني له هذا ان  الحياة تنتهي , وذلك يعود  إلى  ان الطفل يظن ان الحياة هي صفة ثابتة ودائمة للأشياء مثل صلابتها أو ألوانها. ونورد هنا حديث يدور بين احد الأخصائيين وطفل في الثالثة والنصف من عمره :

الطفل: لماذا تدفن الأموات تحت الأرض ؟

الأخصائي: أين تعتقد بأنهم يجب ان يدفنون ؟

الطفل : من الممكن وضعهم في النفاية!

الأخصائي: لماذا يمكن وضعهم في النفاية ؟

الطفل: من الأسهل عليهم ان يخرجوا. 

وعندما يقترب الطفل من سن السادسة أو السابعة , يبدأ في تكوين مفهوم ان الموت هو نهاية الحياة بالمعنى المادي أو الفسيولوجي . ما نريد ان نتوصل أليه هو ان جميع العمليات الفكرية والعقلية لدى الأطفال تنمو مع نموه الزمني, أي أننا لا نستطيع ان  نعلم طفلا شيئا ما وهو لم يصل بعد  إلى  النضج الذي يسمح له بتعلم هذا الشيء. لذا يقول محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف:  " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبعا ".

 وهنا لم يشر محمد صلى الله عليه وسلم  إلى  المرحلة الزمنية عبثا , بل كان متيقنا اشد اليقين بان للنضوج العمري وللمراحل الزمنية في عمر الطفل أهمية كبرى في فهم الأمور  وتعلمها .