مع الأخصائي النفسي بديع القشاعلةألا بذكر الله تطمئن القلوب

تكملة تحليل للشخصية في الإسلام

بقلم الاخصائي النفسي بديع القشاعلة

أما الجهة السلبية فيمكن حصرها في النقط التالية:

1- التشاؤم:

من العادات الموروثة ان  يتشاءم الناس من بعض الأمور  ,  فيبعده هذا عن الأعمال النافعة , ويحول دون جلب النفع أو دفع الضرر دون مبرر , وهو من السلوكيات السلبية ان وجدت في شخصية الإنسان .

من هنا كان لا بد للشريعة الإسلامية ان تضع حد لهذا العامل النفسي الضار, فعقب قوله صلى الله عليه وسلم: " لا عدوى " بقوله: " ولا طيره" أي ولا تطير, والتطير هو التشاؤم بأم عينه.

 وقد كان العرب في القدم يطيرون طائرا,  إذا نوا شيئا, فان طار يمينا تفاءلوا وتيامنوا ومضوا إلى حاجتهم, أما ان طار جهة اليسار قعدوا ولم يفعلوا شيئا. ومن هنا جاءت كلمة " التطير “. وقد وصف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المضي في المطلوب علاجا للتشاؤم, فقال:

 " ان في الإنسان ثلاثة, الطيرة والظن والحسد, فمخرجه من الطيرة ان لا يرفع, ومخرجه من الظن ان لا يحقق, ومخرجه من الحسد ان لا يبغي “.

أما التفاؤل فقد طالب به الإسلام لأنه يساعد الإنسان على العمل الجاد والإنتاج.

2- الكبرياء:

 يقول الله تعالى  في الحديث القدسي : " الكبرياء ردائي والعظمة أزاري , فمن نازعني فيهما ألقيته في جهنم ولا أبالي " .

  فالكبرياء داء خطير و إذا حل بشخصية الفرد أهلكها وأوصلها  إلى ما لا ترغب فيه . وهي من آفات المجتمعات في كل زمان , ويؤدي  إلى  الحقد والبغضاء بين الناس .

 ان استعظام النفس واحتقار الغير من اشد الصفات الممقوتة , والتي تأباها النفس الصحيحة وتفر منها , ويقول عز وجل :

" سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " (الأعراف 146 .)

ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام :

 " ان الله لا ينظر  إلى  من يجر إزاره بطرا , ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ", قيل : يا رسول الله ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا , قال : " ان  الله جميل يحب الجمال , الكبر بطر الحق , وغمط الناس " رواه مسلم .

 ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: " لا يزال الرجل يتكبر ويذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم " رواه مسلم .

3- الفساد:

يقول الله تعالى في منزل تحكيمه:

 " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون “.( البقرة 11-12).

ولقد توعد الخالق عز وجل المفسدين بعذاب في الدنيا, وطرد من رحمته, حيث قال:

 " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون"( الرعد,27.)

وقد حذرت الشريعة الإسلامية كل فرد من الأمة الإسلامية من الخوض في الفساد وإفساد ما أصلحه الغير.

وحث الدين على الابتعاد عن هذه الصفة السلبية, وشجعه على الإصلاح والتعمير حيث قال الله تعالى:

 " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين " (الأعراف 56).

ان الشخصية المنتجة والمعطاءة للنفع والخير أفضل وخير من الشخصية المفسدة,  إذ ان الأولى تسير على درب النجاح والتقدم والأخيرة تسير في طريق مظلم يهوي بصاحبه إلى التهلكة.

4- الكذب

يقول محمد عليه الصلاة والسلام :" ان  الصدق يهدي  إلى  البر وان البر يهدي  إلى  الجنة , وان الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا  , وان الكذب يهدي  إلى  الفجور , وان الفجور يهدى  إلى  النار , وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " . رواه البخاري ومسلم .

الكذب آفة المجتمعات ودمارها . والكاذب شخص غير مرغوب فيه بين الجماعة , وبالتالي يشعر بأنه شخص منبوذ غير مقبول الأمر الذي قد يؤدي إلى نوع من الاضطرابات النفسية والتوترات العصبية التي قد تتسبب في اللجوء  إلى  العنف والعدوان .

وعن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك  إلى  ما لا يريبك فان الصدق طمأنينة والكذب ريبة ".

5- سوء الظن :

 يقول سبحانه وتعالى  :

 " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم " .( الحجرات 12).

 ان سوء الظن من الصفات التي قد تتسبب في مشاكل كبيرة ليس للإنسان حاجة فيها, وخاصة في العائلة, وبين الأفراد في الجماعات, كما ويساعد سوء الظن على انتشار الإشاعة كانتشار النار في الحطب.  ومن المعروف ان الإشاعة قد تتسبب في تفكيك المجتمعات.

 يقول صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن, فان الظن اكذب الحديث".

6- الغش:

يقول عليه الصلاة والسلام : " من غش فليس منا " .

 الإسلام يطالب الفرد المسلم ان  يبتعد عن هذه الصفة السلبية التي وان تمكنت من الفرد جعلته مكروه عند الناس ومذموم. والغش ليس فيه نفعا بل فيه ضررا وفسادا للمجتمع .

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاما فأعجبه, فأدخل يده فيه, فرأى بللا, فقال :" ما هذا يا صاحب الطعام ؟ " قال: " أصابته السماء " " أي المطر" فقال عليه السلام:" فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غش فليس منا " رواه مسلما.

7- السلبية:

يطالب الإسلام كل فرد مسلم بالابتعاد عن اتجاهات اللامبالاة وعدم المسؤولية والخمول والكسل , ويطالبه أيضا بان يكون ايجابيا وفعالا في تعامله مع نفسه ومع مجتمعه .

 لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الأيمان".

8- الانانية: 

يحث الإسلام على التعاون وعدم التفرد في المنفعة, فالمسلم الحق عليه ان يعين أخاه وان يحب له ما يحب لنفسه. لقوله صلى الله عليه وسلم :

" أحب لأخيك ما تحب لنفسك " .

9- الأتكالية :

  الأتكالية في الإسلام شيء غير مطلوب وغير مرغوب فيه , لقول محمد صلى الله عليه وسلم :" لا يكن أحدكم امعه فيقول : إن أحسن الناس أحسنت .

 وطالب بالاستقلالية في الرأي , لأنها تعطي الإنسان حقه في الوجود .

10- الشك :

على الفرد المسلم  ان يتيقن قبل ان  يقرر , لان الشك وعدم اليقين من الشيء , قد يؤدي  إلى  الندم .

 في هذا السياق يقول الله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " (الحجرات 6 ).

 ويقول محمد عليه الصلاة والسلام:" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك“.

وبعد ان أوردنا الصفات التي يطلب الإسلام  وجودها في الشخصية  المسلمة وتلك التي ينهى عن وجودها , نستطيع ان نرى ونتأكد ان    الشريعة  الإسلامية  حريصة كل الحرص على تكوين الشخصية  السوية الصالحة المستقيمة لدى الفرد المسلم والتي فيها الخير والمنفعة للمجتمع المسلم .

ان الصفات الإيجابية لو اجتمعت لدى الإنسان لاستطاع ان يصل  إلى  الشخصية  السوية البعيدة كل البعد عن الاضطرابات النفسية ,  إذ  عن طريقها يمكنه التوصل  إلى  المفهوم العالي للذات وتمكنه من أثبات وجوده وتحصيل مكانته في المجتمع الأمر الذي يمكنه من التكييف والاستمرار .

أما تلك السلبية , فلو سيطرت على إنسان واجتمعت فيه لأدت  إلى  هلاكه ووصوله  إلى  الكثير من الصراعات النفسية وعدم التكييف والإحباط .